الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالتَّعْزِيرِ، وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. رَوَى حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا... الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَطَعَتْ جَارِيَةً لَهَا سَرَقَتْ.وَرُوِيَ أَنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَطَعَ يَدَ غُلَامٍ لَهُ سَرَقَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ جَلَدَ وَلِيدَةً لَهُ زَنَتْ. وَرُوِيَ أَنَّ مُقْرِنًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ أَمَةٍ لَهُ زَنَتْ، فَقَالَ: اجْلِدْهَا. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الْأَنْصَارُ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ يَخْرُجُونَ مَنْ زَنَا مِنْ إِمَائِهِمْ فَيَجْلِدُونَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ. وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ لِلْإِمَامِ حَقَّ الْوِلَايَةِ، وَلِلسَّيِّدِ حَقَّ الْمِلْكِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِحْدَى عِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ تَزْوِيجَهَا مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ مَلَكَ حَدَّهَا كَالْإِمَامِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ فِي رَقَبَتِهِ، مَلَكَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى يَدَيْهِ كَالْإِمَامِ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ أَعَمُّ، وَعُقُودَهُ فِيهِ أَتَمُّ مِنَ الْإِمَامِ الْمُتَفَرِّدِ بِنَظَرِ الْوِلَايَةِ، فَكَانَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَحَقُّ. وَخَالَفَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ وَلَا حَقَّ، وَخَالَفَ الْحُرُّ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ إِلَّا لِلْإِمَامِ، وَخَالَفَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمَا، فَلَمْ تَصِحَّ الْوِلَايَةُ مِنْهُمَا. وَسَنَذْكُرُ فِي حُكْمِ الْبَيِّنَةِ وَالسَّرِقَةِ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ مَا يَكُونُ جَوَابًا وَانْفِصَالًا.فصل: فَإِذَا ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ، فَالْكَلَامُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: أَحَدُهَا: فِي السَّيِّدِ الَّذِي يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ.وَالثَّانِي: فِيمَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ.وَالثَّالِثُ: فِيمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ بِهِ الْحُدُودَ. فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ: فَهُوَ مَنِ اسْتُكْمِلَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: جَوَازُ الْأَمْرِ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالرُّشْدِ: لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَنْفُذْ مَرَّةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَأَوْلَى أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ سَفِيهًا لَمْ يَمْلِكْ إِقَامَةَ الْحَدِّ، فَإِنْ أَقَامَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ كَانَ تَعَدِّيًا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَلَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ بِجَلْدِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. فَفِي جَوَازِ إِقَامَتِهِ لِلْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ وَجْهَان:أحدهما: لَا يَجُوزُ: لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِوِلَايَةٍ تَنْتَفِي مَعَ الْفِسْقِ.وَالثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ إِقَامَتُهُ: لِأَنَّ فِسْقَهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِنْكَاحِ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا. وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَجُلًا: لِأَنَّ الرِّجَالَ أَحْصَنُ بِالْوِلَايَاتِ مِنَ النِّسَاءِ. فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا لِوَلِيِّهَا، وَيَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ لِقُصُورِهَا عَنْ وِلَايَاتِ الرِّجَالِ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ وَلَيُّهَا نِيَابَةً عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهَا كَالنِّكَاحِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مُبَاشَرَةَ إِقَامَتِهِ بِنَفْسِهَا وَبِمَنْ تَسْتَنِيبُهُ فِيهِ مِنْ وَلِيٍّ وَغَيْرِ وَلِيٍّ: لِتَفَرُّدِهَا بِالْمِلْكِ وَحُقُوقِهِ. وَقَدْ جَلَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَمَةً لَهَا زَنَتْ، وَقَطَعَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ تَامَّ الْمِلْكِ فِي كَامِلِ الرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ: لِنَقْصِهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُخَارِجًا، أَوْ مُعْتَقًا نَصْفُهُ لَمْ يَمْلِكْ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ بِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ مُكَاتِبًا فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ بِحَدِّ عَبْدِهِ وَجْهَان:أحدهما: يَسْتَحِقُّهُ: لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ.وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّهُ: لِنَقْصِهِ بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ. وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ تَامَّ الْمِلْكِ بِكَمَالِ الْحُرِّيَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ تَامِّ الرِّقِّ: لِعِتْقِ بَعْضِهِ وَرِقِّ بَعْضِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: لِمَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَى إِقَامَتِهِ جَازَ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحُدُودِ، وَمِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ: لِيَعْلَمَ مَا يَجِبُ فِيهِ وَلَا يَجِبُ، فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى وُجُوبِهِ عُمِلَ فِيهِ عَلَى الِاتِّفَاقِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَمْ يَخْلُ رَأْيُهُ وَرَأْيُ الْإِمَامِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وُجُوبِهِ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِاسْتِيفَائِهِ.وَالثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إِسْقَاطِهِ فَلَا حَدَّ.وَالثَّالِثُ: أَنْ يَرَى الْإِمَامُ وُجُوبَهُ وَالسَّيِّدُ إِسْقَاطَهُ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ دُونَ السَّيِّدِ.وَالرَّابِعُ: أَنْ يَرَى السَّيِّدُ وُجُوبَهُ دُونَ الْإِمَامِ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِرَأْيِهِ مَا لَمْ يَحْكُمِ الْإِمَامُ بِإِسْقَاطِهِ. فَإِنْ حُكِمَ بِهِ مُنِعَ مِنْهُ السَّيِّدُ: لِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ أَنْفَذُ وَأَعَمُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ السَّيِّدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحُدُودِ مُنِعَ مِنْ إِقَامَتِهَا: لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا إِلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى حَاكِمٍ، جَازَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ إِسْقَاطِهِ، وَيَقُومَ بِاسْتِيفَاءِ مَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِوُجُوبِهِ. وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ، وَإِنْ رَجَعَ فِيهِ إِلَى اسْتِيفَاءٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ مُتَّفَقًا عَلَى وُجُوبِهِ، كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِقَوْلِ مَنْ أَفْتَاهُ. وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَفِي جَوَازِ اسْتِيفَاءِ السَّيِّدِ لَهُ بِفُتْيَاهُ وَجْهَان:أحدهما: لَا يَجُوزُ: لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْحَاكِمِ، إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِسُقُوطِهِ فَيُمْنَعُ.فصل: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ: فَهُوَ مَا كَانَ جَلْدًا، إِمَّا فِي زِنًا، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْدِيبَهُ بِالْجَلْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهَلْ يَمْلِكُ مِنْ حَدِّهِ مَا تَعَلَّقَ بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، مِنْ قَطْعِهِ فِي السَّرِقَةِ وَقَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ: لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلَا يَقْطَعُهُ إِذَا سَرَقَ وَلَا يَقْتُلَهُ إِذَا ارْتَدَّ، وَيَكُونُ الْإِمَامُ أَحَقَّ بِقَطْعِهِ وَقَتْلِهِ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ حُدُودِ الدِّمَاءِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ حُدُودِ الْجَلْدِ: لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ مِثْلَهُ مِنْهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، كَالْجِنَايَةِ وَقَطْعِ السِّلْعَةِ.وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّأْدِيبِ: لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَحِقُّ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ فِي النُّشُوزِ، وَالْأَبَ يَسْتَحِقُّ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ فِي الِاسْتِصْلَاحِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِقَامَةَ الْحُدُودِ. وَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ عَبْدًا لَهُ سَرَقَ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ قَطَعَتْ أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ. وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. فَأَمَّا التَّغْرِيبُ- إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إِذَا زَنَيَا-: فَفِي اسْتِحْقَاقِ السَّيِّدِ لَهُ وَتَفَرُّدِهِ بِهِ وَجْهَان:أحدهما: يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ: لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ أَحَدُّ الْحَدَّيْنِ كَالْجَلْدِ.وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَغْرِيبَهُ فِي غَيْرِ الزِّنَا، فَكَانَ بِتَغْرِيبُ الزِّنَا أَحَقُّ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَمْرَيْنِ:أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَغْرِيبَ الزِّنَا مَا خَرَجَ عَنِ الْمَأْلُوفِ إِلَى النَّكَالِ، وَهَذَا بِتَغْرِيبِ الْإِمَامِ أَخَصُّ.وَالثَّانِي: لِاخْتِصَاصِ الْإِمَامِ بِنُفُوذِ الْأَمْرِ فِي بِلَادِ النَّفْيِ دُونَ السَّيِّدِ.فصل: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ بِهِ الْحُدُودَ: فَهُوَ إِقْرَارٌ عِنْدَهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَحُدُّهُ بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ إِنْكَارِهِ، فَفِي جَوَازِ حَدِّهِ بِهَا وَجْهَان:أحدهما: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُدَّهُ بِهَا: لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَاتِ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَى الْوِلَايَاتِ.وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى اجْتِهَادٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: لِأَنَّهُ رُبَّمَا تُوَجَّهَ إِلَى السَّيِّدِ فِيهِ تُهْمَةٌ فَاخْتَصَّ بِمَنْ يَنْتَفِي عَنْهُ التُّهْمَةُ مِنَ الْوُلَاةِ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُدَّهُ بِالْبَيِّنَةِ: لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ مَلَكَ حَدَّهُ بِالْإِقْرَارِ مَلَكَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْحُكَّامِ.وَالثَّانِي: أَنَّ السَّيِّدَ أَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ فِي عَبْدِهِ لِحِفْظِ مِلْكِهِ مِنَ الْحُكَّامِ، فَكَانَ بِذَلِكَ أَحَقَّ. فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحُدَّهُ بِعِلْمِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا: فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ فِيهَا بِعِلْمِهِ: لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْحُدُودِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ: لِأَنَّهَا حُدُودٌ تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ. وَأَمَّا السَّيِّدُ فِي حَقِّ عَبْدِهِ بِعِلْمِهِ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ الْحَاكِمُ كَانَ السَّيِّدُ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ، وَإِنْ جُوِّزَ لِلْحَاكِمِ كَانَ فِي جَوَازِهِ لِلسَّيِّدِ وَجْهَانِ، مِنَ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ حَدِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ.
|